لا أستغرب أبدا أن يقوم الإعلام المصرى الحكومى بوظيفته فى موالاة
النظام البائد، أيام ثورة يناير، فينقل للمشاهد شارع قصر النيل خاليا من
المشاة، فيما يعج ميدان التحرير بمئات بل آلاف المتظاهرين.
ولا عجب فى أن ينقل التليفزيون المصرى على الهواء مباشرة تباكى العاملين فيه، لحظة تنحى المخلوع بإرادة شعبية.
ولا دهشة فى أن تنقل لنا الفضائيات كل ليلة مجموعة من فلول النظام منادين
بالرأفة والمصالحة مع رجال النظام السابق ولصوصه الذين انتفعوا ومازالوا
يستحلون دماء الشعب حتى بعد الإطاحة بالنظام.
ولا غرابة فى أن تغيب كاميرات النقل المباشر لتتيح الفرصة لتحالف قوى الشر
والبلطجة فتتحول مباراة كرة القدم إلى مذبحة ويكون ضحيتها شبابا فى أعمار
الزهور كل ذنبهم أنهم وقفوا ضد الفساد والطغيان، لتتم الجريمة كما نسجت
خيوطها فى ظلام دامس بعد قطع الأنوار.
ولا مانع أبدا من أن تأخذ كل قناة خاصة خطا ضد الأخرى، تماشيا مع أجندتها، بل ومع أيديولوجية وأهواء ومصالح مالكيها ومجلس إدارتها.
إلا أن الشيء الذى يدعو للدهشة والغرابة والعجب والاستفهام وربما الجنون أن
تحترق أكبر شركات البترول فى السويس، وتكاد النيران تقضى على المدينة عن
بكرة أبيها، دون أن يرف جفن أحد المسئولين الذين يغطون فى نوم عميق، أو
ربما تعمدوا أن يناموا مبكرا فى تلك الليلة، لينتقموا من المدينة التى
انطلقت منها أول شرارة ثورة 25 يناير، أو لعلهم أعطوا تعليمات مشددة لكل
القنوات الفضائية بعدم تناول هذه المصيبة.
ففى الوقت الذى كانت تشتعل فيه النيران فى أرجاء السويس، كانت القنوات
الفضائية المصرية الحكومية والخاصة، تعرض مباريات كرة قدم، وأفلاما عربية،
ومسلسلات، وبرامج معادة، فى تعمد واضح لتجاهل ذلك الحدث الجلل، لتكتمل أيضا
الجريمة فى ظل تعتيم إعلامى متعمد ومريب.
فقد الإعلام المصرى الحكومى مصداقيته منذ وقت مبكر، ويبدو أن الإعلام الخاص
أيضا فى طريقه للمصير نفسه، فى الوقت الذى ظن فيه المصريون أنه هو الجهة
الأكثر صدقا وقربا للناس.
فهل نجح أعداء الوطن فى تشويه دور الإعلام وتحييده، وربما تجييشه ضد الشعب؟
أم أن إعلام ما بعد الثورة يسير على نفس خطى إعلام الضلال الذى سبق
الثورة؟.
وهل فرط الإعلاميون المصريون بكل تخصصاتهم وفئاتهم فى دورهم التنويرى تجاه
عامة الناس، وتركوا الأمر بيد القائمين على صناعة الإعلام من أصحاب رءوس
الأموال الذين أصبحوا أكثر جشعا فى ظل الخلل الواضح فى المنظومة الإعلامية
بأكملها بعد أن تخلت عن مسئوليتها الاجتماعية؟ ذلك ما لا نتمنى!.