لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ آيةٍ ترسمُ لنا طريقَ المفاصلةِ بين الحقِّ والباطل وبين الكفرِ والإيمان ،
لنُحافظَ على وصيةِ رسولنا الحبيب مُحمد صلى الله عليه وسلم التي تركنا
عليها ،
تركنا على المحجةِ البيضاء ليلُها كنهارِها لا يزيغُ عنها إلا هالك!
حيثُ يقولُ الله تعالى
لَا
يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ
إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ
نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِير)( 28) آل عمران .
ورد في تفسيرِ ابنُ كثير : نهى تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِبَاده
الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُوَالُوا الْكَافِرِينَ وَأَنْ يَتَّخِذُوهُمْ
أَوْلِيَاء يُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ
، ثُمَّ تَوَعَّدَ
عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى " وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ
اللَّه فِي شَيْء " أَيْ وَمَنْ يَرْتَكِب نَهْي اللَّه فِي هَذَا فَقَدْ
بَرِئَ مِنْ اللَّه كَمَا قَالَ تَعَالَى "
يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ - إِلَى أَنْ قَالَ - وَمَنْ يَفْعَلهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل " وَقَالَ تَعَالَى "
يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا
الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ
تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا " وَقَالَ تَعَالَى "
يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى
أَوْلِيَاء
بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ " الْآيَة
وَقَالَ سُبْحَانه وَتَعَالَى بَعْد ذِكْر مُوَالَاة الْمُؤْمِنِينَ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار وَالْأَعْرَاب " وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا
بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَة فِي الْأَرْض
وَفَسَاد كَبِير " وَقَوْله تَعَالَى " إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ
تُقَاة " أَيْ مَنْ خَافَ فِي بَعْض الْبُلْدَان وَالْأَوْقَات مِنْ
شَرّهمْ فَلَهُ أَنْ يَتَّقِيَهِمْ بِظَاهِرِهِ لَا بِبَاطِنِهِ وَنِيَّته
،، كَمَا
قَالَ الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء أَنَّهُ قَالَ : إِنَّا
لَنُكَشِّر فِي وُجُوه أَقْوَام وَقُلُوبنَا تَلْعَنهُمْ . وَقَالَ
الثَّوْرِيّ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَيْسَ التَّقِيَّة بِالْعَمَلِ
إِنَّمَا التَّقِيَّة بِاللِّسَانِ
وَكَذَا رَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس إِنَّمَا التَّقِيَّة
بِاللِّسَانِ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَأَبُو الشَّعْثَاء
وَالضَّحَّاك وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَيُؤَيِّد مَا قَالُوهُ قَوْل اللَّه
تَعَالَى " مَنْ
كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْد إِيمَانه إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبه
مُطْمَئِنَّ بِالْإِيمَانِ " الْآيَة . وَقَالَ الْبُخَارِيّ : قَالَ
الْحَسَن التَّقِيَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثُمَّ قَالَ تَعَالَى "
وَيُحَذِّركُمْ اللَّه نَفْسه "
أَيْ يُحَذِّركُمْ نِقْمَتَهُ فِي مُخَالَفَته وَسَطْوَته وَعَذَابه
لِمَنْ وَالَى أَعْدَاءَهُ وَعَادَى أَوْلِيَاءَهُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى "
وَإِلَى اللَّه الْمَصِير " أَيْ إِلَيْهِ الْمَرْجِع وَالْمُنْقَلَب
لِيُجَازِيَ
كُلّ عَامِل بِعَمَلِهِ. قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا أَبِي
حَدَّثَنَا سُوَيْد بْن سَعِيد حَدَّثَنَا مُسْلِم بْن خَالِد عَنْ اِبْن
أَبِي حُسَيْن عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَابِط عَنْ مَيْمُون بْن
مِهْرَان قَالَ : قَامَ فِينَا مُعَاذ فَقَالَ : يَا بَنِي أَوْد إِنِّي
رَسُول رَسُول اللَّه إِلَيْكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَعَاد إِلَى اللَّه
إِلَى الْجَنَّة أَوْ إِلَى النَّار .
وقال القرطبي في تفسيره :" إِنَّ الْمُؤْمِن إِذَا كَانَ قَائِمًا بَيْنَ
الْكُفَّار فَلَهُ أَنْ يُدَارِيهِمْ بِاللِّسَانِ إِذَا كَانَ خَائِفًا
عَلَى نَفْسه وَقَلْبه مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقِيَّة لَا تَحِلّ
إِلَّا مَعَ خَوْف الْقَتْل أَوْ الْقَطْع أَوْ الْإِيذَاء الْعَظِيم ،،
وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي
عُبَادَة بْن الصَّامِت الْأَنْصَارِيّ وَكَانَ بَدْرِيًّا تَقِيًّا
وَكَانَ
لَهُ حِلْف مِنْ الْيَهُود ; فَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْأَحْزَاب قَالَ عُبَادَة : يَا نَبِيّ اللَّه ,
إِنَّ مَعِي خَمْسمِائَةِ رَجُل مِنْ الْيَهُود , وَقَدْ رَأَيْت أَنْ
يَخْرُجُوا
مَعِي فَأَسْتَظْهِر بِهِمْ عَلَى الْعَدُوّ . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :
" لَا يَتَّخِذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون
الْمُؤْمِنِينَ " الْآيَة . وَقِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَمَّار بْن
يَاسِر حِينَ
تَكَلَّمَ بِبَعْضِ مَا أَرَادَ مِنْهُ الْمُشْرِكُونَ.
" وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ "
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ
نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ :
وَيُخَوِّفكُمْ اللَّه مِنْ نَفْسه أَنْ تَرْكَبُوا مَعَاصِيَهُ أَوْ
تُوَالُوا أَعْدَاءَهُ
, فَإِنَّ مَرْجِعكُمْ وَمَصِيركُمْ بَعْد مَمَاتِكُمْ , وَيَوْم
حَشْرِكُمْ لِمَوْقِفِ الْحِسَاب , يُعْنَى بِذَلِكَ : مَتَى صِرْتُمْ
إِلَيْهِ , وَقَدْ خَالَفْتُمْ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَأَتَيْتُمْ مَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ اِتِّخَاذ
الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ , نَالَكُمْ مِنْ
عِقَاب رَبّكُمْ مَا لَا قِبَل لَكُمْ بِهِ , يَقُول : فَاتَّقُوهُ
وَاحْذَرُوهُ أَنْ يَنَالكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ , فَإِنَّهُ شَدِيد الْعَذَاب .
يقول سيد قطب - رحمه الله - في ظلال القرآن : " إن الذي يتخذَ الكفارَ
أولياء - والكفارُ كما يقررُ السياق هم الذينَ لا يقبلون التحاكم إلى كتاب
الله - فَلَيْسَ
مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ولا علاقة له بالله في شيء ولا صلة بينه وبين
الله في شيء . . مجرد من يتولى وينصر أو يستنصر أولئك الكفار الذين يرفضون
أن
يتحاكموا إلى كتاب الله، ولو ادعوا أنهم على دين الله !
هكذا. . ليس من الله في شيء . لا في صلةٍ ولا نسب, ولا دينٍ ولا عقيدة, ولا
رابطةٍ ولا ولاية فهو بعيدٌ عن الله, منقطعُ الصلةِ تماماً في كلِّ شيءٍ
تكون فيه الصلات.
ويشتدُ التحذيرُ من هذه الولاية التي تذهبُ بالدينِ من أساسه، ويضيفُ
السياقُ إلى التحذير التبصير، تبصيرُ الجماعة المسلمة بحقيقةِ القوى التي
تعمل في
هذا الوجود ، فالله وحده هو السيد المتصرف , مالك الملك , يؤتي الملك من
يشاء , وينزع الملك ممن يشاء , ويعزُّ من يشاء ويذل من يشاء, فلا داعي إذن
لولايةِ
غيره من العباد , مهما يكن لهم من قوةٍ ومن مالٍ وأولاد .
ويرخصُ فقط بالتقيةِ لمن خاف في بعض البلدان والأوقات، ولكنها تقيةُ اللسان
لا ولاء القلب ولا ولاء العمل. قال ابن عباس - رضي الله عنهما - " ليس
التقية بالعمل
إنما التقية باللسان ". فليس من التقية المرخص فيها أن تقومَ المودةُ بين
المؤمن وبين الكافر - والكافر هو الذي لا يرضى بتحكيم كتاب الله في الحياةِ
على
الإطلاق , كما يدلُ السياقُ هنا ضمناً وفي موضعٍ آخر من السورةِ تصريحا -
كما أنه ليس من التقيةِ المُرخصِ بها أن يعاون المؤمنُ الكافرَ بالعملِ في
صورةٍ من
الصورِ باسم التقية ،فما يجوزُ هذا الخداع على الله !
ولمّا كان الأمرُ في هذه الحالةِ متروكاً للضمائرِ ولتقوى القلوبِ وخشيتها
من علاِّم الغيوب, فقد تضمن التهديدُ تحذيرُ المؤمنين من نقمةِ الله وغضبهِ
في صورةٍ
عجيبةٍ من التعبير حقا:
(وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّه نَفْسه وَإِلَى اللَّه الْمَصِير)
وهو إمعانٌ في التحذيرِ والتهديد , واستجاشةُ الخشية واتقاءُ التعرضِ
للنقمةِ التي يساندُها العلمُ والقدرة , فلا ملجأ منها ولا نصرة ! ويذكرهم
رحمته في هذا
التحذير والفرصة متاحة قبل فوات الأوان، ومن رأفته هذا التحذير وهذا التذكير، وهو دليلٌ على إرادتهِ الخير والرحمة بالعباد.
وتشي هذه الحملةُ الضخمةُ المنوعة الإيماءات والإيحاءات والأساليب
والإشارات , بما كان واقعاً في حياةِ الجماعةِ المسلمة من خطورةِ تميع
العلاقات بين أفرادٍ
من المعسكرِ المسلم وأقربائهم وأصدقائهم وعملائهم في مكة مع المشركين وفي
المدينة مع اليهود ، تحت دوافع القرابة أو التجارة ،على حين يريد الإسلام
أن يقيم أساس المجتمع المسلم الجديد على قاعدة العقيدة وحدها, وعلى قاعدة
المنهج المنبثق من هذه العقيدة، الأمر الذي لا يسمحُ الإسلام فيه بالتميع
والأرجحة
إطلاقا !
كذلك يشي بحاجةِ القلبِ البشريِّ في كل حينٍ إلى الجهدِ الناصب للتخلصِ من
هذه الأوهام, والتحررُ من تلك القيود, والفرارُ إلى الله والارتباطُ بمنهجه
دون سواه.
والإسلامُ لا يمنعُ أن يعاملَ المسلمُ بالحسنى من لا يحاربه في دينه, ولو
كان على غير دينه ولكن الولاء شيءٌ آخر غير المعاملةِ بالحسنى، الولاءُ
ارتباطٌ وتناصر
وتواد، وهذا لا يكون - في قلبٍ يؤمنُ بالله حقا - إلا للمؤمنين الذين
يرتبطون معه في الله ; ويخضعون معه لمنهجهِ في الحياة ; ويتحاكمون إلى
كتابهِ في طاعةٍ
وإتباعٍ واستسلام ."
إن العجبَ كل العجب ممن يقرأون هذه الآيات البينّات التي
تُبيّنُ عِظم تحريم موالاة الكافرين والركونِ إليهم ثم يصرُّون على ما هم
عليه ويستكبرون استكبارا ،
ولقد ابتُليت الآمةُ الإسلامية اليوم بحكِّام عملاءٍ خائنين ارتضوا بأن
يكونوا بوقاً للغرب الكافر يوالون أعداء الله وينفذون مخططاتهم ويبطشون
بالمسلمين العاملين
في كلِّ مكان ، وهمهم الأوحد أن يكونوا الخدم الأمناء المخلصين لأسيادهم ،
لا بل عملوا بكلِّ ما أوتوا من قوةٍ لكي يروضوا من هم من أبناءِ جلدتنا لكي
يميلوا
لهؤلاء المجرمين ميلاً عظيما ،فيكونوا عوناً ونائباً لهم ضد دينِهم وأمتهم .فالله الله أيها المسلمون،، الله الله أيها المؤمنون
لا تجعلوا لهؤلاء الطغاةِ عليكم سبيلا، وتحروا الحق من الباطلٍ وألزموه،
ولا تحيدوا عن جادةِ الصواب، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار،
وليكن ولائكم لله
ولرسوله وللمؤمنين، وليكن برائكم من كلِّ من حاد الله ورسوله واتبّع غير
سبيل المؤمنين ، فالله وليُّ الذين آمنوا والكافرين لا مولى لهم ، فيُعزكم
الله في الدنيا
والآخرة وما ذلك على الله بعزيز ..
اللهمّ اجعل ولاءنا لك جلّ جلالك ولكتابك ولنبي*ّك صل*ّى الله عليه وسل*ّم ولجماعة المؤمنين
اللهمّ عليك بالمنافقين والمداهنين والعملاء والموالين لأعدائك أعداء الدين اللهم آمين
وصلِّ اللهم على سيدنا مُحمدٍ وعلى آلهِ وأصحابهِ وأزواجهِ وأتباعهِ بإحسانٍ إلى يوم الدين