غريب من يدعى أنه يفھم ما يحدث الآن، فمن طبيعة الفوضى أن لا يفھمھا أحد وإلا ما كانت فوضى، ومما لا شك فيه أن ما يحدث الآن فى مصرنا الحبيبة لھو فوضى بكل ما تعنيه الكلمة، فلو استعرض كل منا ما رآه وشاھده أو سمعه من أحداث متلاحقة لوجد من المتناقضات مالا يعد ولا يحصى.
فمثلا لو سألنا أنفسنا من المسئول عن كل ھذا؟ أھم الشباب الذين خرجوا من أول الخامس والعشرين من يناير وحتى الثامن والعشرين عصراً مطالبين بإسقاط النظام ورحيله إلى الأبد بشكل حضارى، أم ھو الإعلام المصرى (الحكومة) الذى تتستر على الأحداث طوال الأربعة أيام الأولى ولم يترك مجالا للشعب أن يعرف ماذا يحدث إلا من قنوات فضائية أخرى يبدوا أنھا مملوكة لأعداء لمصر.
أم ھى أصابع من الخارج اندست لتركب موجة الخراب الاقتصادى والسياسى والاجتماعى واستغلت حماس الشباب وعملائھا فى مصر لتصل إلى أغراض محددة ومخطط لھا مسبقا.
أم ھو النظام بداية من رئيس الجمھورية مروراً بالحكومة النظيفة التى لم تخرج بتصريح واحد طوال أربعة أيام من الحركة التى نشھد يومھا الثانى عشر واكتفت بأن تقدم استقالتھا ردا على طلب من رأس النظام، رئيس الجمھورية، الذى قسم البلاد بخطابه الذكى والذى اعتبره المعارضة خطاب مضلل إلى ثلاثة أنواع مع وضد ونوع ثالث مزيج من الاثنين.
أم ھى المعارضة القديمة التى كانت ولازالت تعارض وتتظلم وتعتصم، والتى يلقى على عاتقھا ولأول مرة فى تاريخ ھذا البلد أن تحاور وتتكلم مع النظام بناءً على طلب من رأسه.
قد يكون السبب أيضا فى ھذه الفوضى مصريين من الداخل، شعب مثلنا له أغراض ومصالح مما يحدث.
أم ھى دماء مصريين أراقتھا خيول وجمال وفوضويون قالوا وأصروا أنھم خرجوا من الحزب الحاكم برغم أن مثل ھذا التصرف يفيد المعارضة أكثر من الحزب الحاكم؟
أم ھو الدستور الذى لم يقرأه أحد قبل المطالبة بتغييره والذى إذا تم تغييره لأصبح الأمر أصعب مما قبله لأن ھناك طعونا فى عضوية أغلب مقاعد المجلس القائم على تغييره.
أم ھو عز المحتكر والعادلى والمغربى أو جرانه والذين تم منعھم من السفر وتجمدت أرصدتھم فى البنوك حتى ينظر النظام الجديد فى أمرھم.
أعتقد أن الإجابة النموذجية ھى.. جميع ما سبق.!!!
لقد كنت واحدا من الشباب الذين خرجوا إلى ميدان التحرير يوم الثلاثاء 25 يناير والجمعة 28 يناير فى مظاھرات سلمية حضارية إلى أبعد حد والتى اعتبرھا انتھت يوم الجمعة 28 يناير عصرا لأن بعد ذلك حدث ما حدث من انفلات أمنى وامتزج الحق بالباطل، والفوضى بالنظام والعدل بالظلم فرفعت يدى عن الشبھات ونزلت أحمى بيتى من البلطجية السارحين فى شوارع البلد.
خرجنا مطالبين بالحرية التى لم نتعود عليه كمصريين ولم نكن نعلم أن النظام كان يقايضنا بالأمن الذى تعودنا عليه، فكان اختيارنا كمصريين نعلم جيداً أن "اللى نعرفه أحسن من اللى مانعرفوش" فاخترنا الأمن ولكن ظل بعض منا مطالباً بالحرية والتى امتزج معناھا بالفوضى.
حَكمت على من بقى منا نظرية المؤامرة والتى أصبح لھا نفس نسبة الصواب والخطأ مثل أى تفسير لما يحدث، وقالوا إنه لن يحدث تغيير وإن الرئيس لابد أن يرحل بفكره وسياسته وقد أعطى لمصر الكثير فى السلم والحرب وأيضا أخذ منھا الكثير فى السلم والحرب.
ومنھم من قال "كده إحنا خالصين" ومنھم من غسلت أفكاره بالمعارضة المحظور منھا والشرعى ومنھم من جلس فى ميدان التحرير خائفا من العودة حتى لا يعود زمن صلاح نصر والبوليس السرى، ومنھم من قرر البقاء حتى النھاية، تكريما لدماء الشھداء، ولكنه رأى أن النظام قد استجاب.
لقد تزعزعنا وانكسرت شوكتنا وعمتنا الفوضى وسادنا الجھل ولم يفكر واحدا منا بعيدا عن العواطف ما ھى النھاية الصحيحة؟
بعد تفكير عميق وسؤال لقانونيين كثيرين وتواجدى مع مختلف الطوائف والأفكار، وجدت أن نھاية ھذا الفيلم السياسى الكئيب، لابد وأن تكون على غير عادة الأفلام المصرية، ھى نھاية حزينة ومخذلة للشعب المصرى.
كيف ولقد استجاب النظام؟
إن ما سُلب منا فى ھذه الأيام القليلة السابقة، ھى عقولنا، وھى أغلى ما عندنا، ھى كرامتنا الحقيقية، أين العقل؟ أين الفكر؟ أين العدل؟ أين الإيجابية؟ أين أمانة ھذا الوطن؟ لقد أصبحنا رسوماً كاريكاتيرية فى صحف الخواجات.
أسألوا أنفسكم ماھى عواقب ما تم؟، ما حجم الخراب الذى عم؟ كان لنا أن نخرج نطالب بالحرية، وقد خرجنا ولكن أٌجھضت مطالبنا الشريفة الشرعية بمفاسد لم تكن على البال ولا على الخاطر.
إذا أردنا تغيير النھاية، فلنقل خيراً وحقاً أو لنصمت، وليكن منا رجال شرفاء، حكماء، يخرجون ليوحدوا صفوفنا، وأھدافنا نحو بناء ما كسره غيرنا، وحساب من ظلمنا، وبداية جديدة لشعب أراد الحياة، بالإيمان، بالإصلاح، بالشرعية، بالحكمة والعقل.
لا نلقى اللوم على أحد منا، فإذا كانت ھناك فوضى فكل الناس ضحايا، لأن الخيوط تشابكت، وإقامة نظام جديد يتطلب حذر ووعى وإرادة، وأھم من كل ھذا، العدل الذى ھو أساس الملك.
فلنعد إلى بيوتنا وأعمالنا، ونتابع ما وعدت به حكومتنا، فلنقنع أمثالنا، من ليسوا بتيار سياسى ولا حزب ولا جماعة، من خرجوا من الوطن وإلى الوطن، من لم يقصدوا إھانة الرئيس بشخصه بل احتجاجا على أسلوب إدارته، من ليسوا بمسيسين ولا مغسولين ولا خائفين ولا مخربين، من يريدوا لمصر الخير.
فليحاسب من ظلم، وليرحل من بطش، وليھدأ من ثار، وليصمت من أثار فتن، وليحذر من تراوده نفسه على المؤامرة، ولنبنى جميعا بلدنا، ونعبر بھا إلى بر الأمان لأن أفضل ما توصف به الآن أنھا فوضى.